فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم}.
هذه فريضة الميراث الذي سببه العصمة، وقد أعطاها الله حقّها المهجور عند الجاهلية إذ كانوا لا يورّثون الزوجين: أمّا الرجل فلا يرث امرأته لأنّها إن لم يكن لها أولاد منه، فهو قد صار بموتها بمنزلة الأجنبي عن قرابتها من آباء وإخوة وأعمام، وإن كان لها أولاد كان أولادها أحقّ بميراثها إن كانوا كبارًا، فإن كانوا صغارًا قبض أقرباؤهم مالهم وتصرّفوا فيه، وأمّا المرأة فلا ترث زوجها بل كانت تعدّ موروثة عنه يتصرّف فيها ورثته كما سيجيء في قوله: {يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} [النساء: 19].
فنوّه الله في هذه الآيات بصلة العصمة، وهي التي وصفها بالميثاق الغليظ في قوله: {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} [النساء: 21].
والجمع في {أزواجكم} وفي قوله: {مما تركتم} كالجمع في الأولاد والآباء، مراد به تعدّد أفراد الوارثين من الأمّة، وههنا قد اتّفقت الأمّة عى أنّ الرجل إذا كانت له زوجات أنهنّ يشتركن في الربع أو في الثمن من غير زيادة لهنّ، لأنّ تعدّد الزوجات بيد صاحب المال فكان تعددّهنّ وسيلة لإدخال المضرّة على الورثة الآخرين بخلاف تعدّد البنات والأخوات فإنّه لا خيار فيه لربّ المال.
والمعنى: ولكلّ واحد منكم نصف ما تركت كلّ زوجة من أزواجه وكذلك قوله: {فلكم الربع مما تركن}.
وقوله: {ولهن الربع مما تركتم} أي لمجموعهنّ الربع ممّا ترك زوجهنّ.
وكذلك قوله: {فلهن الثمن مما تركتم} وهذا حذق يدلّ عليه إيجاز الكلام.
وأعقبت فريضة الأزواج بذكر {من بعد وصية يوصين بها أو دين} لئلا يتوهّم متوهّم أنّهنّ ممنوعات من الإيصاء ومن التداين كما كان الحال في زمان الجاهلية.
وأمّا ذكر تلك الجملة عقب ذكر ميراث النساء من رجالهنّ فجريا على الأسلوب المتّبع في هذه الآيات، وهو أن يعقب كلّ صنف من الفرائض بالتنبيه على أنّه لا يُستحقّ إلاّ بعد إخراج الوصيّة وقضاء الدين. اهـ.

.قال الفخر:

كثر أقوال الصحابة في تفسير الكلالة، واختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها عبارة عمن سوى الوالدين والولد، وهذا هو المختار والقول الصحيح، وأما عمر رضي الله عنه فإنه كان يقول: الكلالة من سوى الولد، وروي أنه لما طعن قال: كنت أرى أن الكلالة من لا ولد له، وأنا أستحيى أن أخالف أبا بكر، الكلالة من عدا الوالد والولد، وعن عمر فيه رواية أخرى: وهي التوقف، وكان يقول: ثلاثة، لأن يكون بينها الرسول صلى الله عليه وسلم لنا أحب الي من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، والربا.
والذي يدل على صحة قول الصديق رضي الله عنه وجوه:
الأول: التمسك باشتقاق لفظ الكلالة وفيه وجوه:
الأول: يقال: كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة، وحمل فلان على فلان، ثم كل عنه إذا تباعد.
فسميت القرابة البعيدة كلالة من هذا الوجه.
الثاني: يقال: كل الرجل يكل كلا وكلالة إذا أعيا وذهبت قوته، ثم جعلوا هذا اللفظ استعارة من القرابة الحاصلة لا من جهة الولادة، وذلك لانا بينا أن هذه القرابة حاصلة بواسطة الغير فيكون فيها ضعف، وبهذا يظهر أنه يبعد ادخال الوالدين في الكلالة لأن انتسابهما إلى الميت بغير واسطة.
الثالث: الكلالة في أصل اللغة عبارة عن الإحاطة، ومنه الاكليل لاحاطته بالرأس، ومنه الكل لاحاطته بما يدخل فيه، ويقال تكلل السحاب إذا صار محيطا بالجوانب، إذا عرفت هذا فنقول: من عدا الوالد والولد إنما سموا بالكلالة، لأنهم كالدائرة المحيطة بالإنسان وكالاكليل المحيط برأسه: أما قرية الولادة فليست كذلك فإن فيها يتفرع البعض عن البعض: ويتولد البعض من البعض، كالشيء الواحد الذي يتزايد على نسق واحد، ولهذا قال الشاعر:
نسب تتابع كابرًا عن كابر ** كالرمح أنبوبا على أنبوب

فأما القرابة المغايرة لقرابة الولادة، وهي كالاخوة والأخوات والأعمام والعمات، فإنما يحصل لنسبهم اتصال وإحاطة بالمنسوب إليه، فثبت بهذه الوجوه الاشتقاقية أن الكلالة عبارة عمن عدا الوالدين والولد.
الحجة الثانية: أنه تعالى ما ذكر لفظ الكلالة في كتابه إلا مرتين، في هذه السورة: أحدهما: في هذه الآية، والثاني: في آخر السورة وهو قوله: {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ في الكلالة إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] واحتج عمر بن الخطاب بهذه الآية على أن الكلالة من لا ولد له فقط، قال: لأن المذكور هاهنا في تفسير الكلالة: هو أنه ليس له ولد، إلا أنا نقول: هذه الآية تدل على أن الكلالة من لا ولد له ولا والد.
وذلك لأن الله تعالى حكم بتوريث الاخوة والأخوات حال كون الميت كلالة، ولا شك أن الاخوة والأخوات لا يرثون حال وجود الأبوين، فوجب أن لا يكون الميت كلالة حال وجود الأبوين.
الحجة الثانية: إنه تعالى ذكر حكم الولد والوالدين في الآيات المتقدمة ثم أتبعها بذكر الكلالة، وهذا الترتيب يقتضي أن تكون الكلالة من عدا الوالدين والولد.
الحجة الرابعة: قول الفرزدق:
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة ** عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

دل هذا البيت على أنهم ما ورثوا الملك عن الكلالة، ودل على أنهم ورثوها عن آبائهم، وهذا يوجب أن لا يكون الأب داخلا في الكلالة والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
الكلالة قد تجعل وصفا للوارث وللمورث، فإذا جعلناها وصفا للوارث فالمراد من سوى الأولاد والوالدين، وإذا جعلناها وصفا للمورث، فالمراد الذي يرثه من سوى الوالدين والأولاد، أما بيان أن هذا اللفظ مستعمل في الوارث فالدليل عليه ما روى جابر قال: مرضت مرضًا أشفيت منه على الموت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني رجل لا يرثني إلا كلالة، وأراد به أنه ليس له والد ولا ولد، وأما أنه مستعمل في المورث فالبيت الذي رويناه عن الفرزدق، فإن معناه أنكم ما ورثتم الملك عن الأعمام، بل عن الآباء فسمى العم كلالة وهو هاهنا مورث لا وارث، إذا عرفت هذا فنقول: المراد من الكلالة في هذه الآية الميت، الذي لا يخلف الوالدين والولد، لأن هذا الوصف إنما كان معتبرًا في الميت الذي هو المورث لا في الوارث الذي لا يختلف حاله بسب أن له ولدا أو والدا أم لا. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {يُورَثُ} فيه احتمالان:
الأول: أن يكون ذلك مأخوذًا من ورثه الرجل يرثه، وعلى هذا التقدير يكون الرجل هو الموروث منه، وفي انتصاب كلالة وجوه:
أحدها: النصب على الحال، والتقدير: يورث حال كونه كلالة، والكلالة مصدر وقع موقع الحال تقديره: يورث متكلل النسب، وثانيها: أن يكون قوله: {يُورَثُ} صفة لرجل، و{كلالة} خبر كان، والتقدير وإن كان رجل يورث منه كلالة، وثالثها: أن يكون مفعولا له، أي يورث لأجل كونه كلالة.
الاحتمال الثاني: في قوله: {يُورَثُ} أن يكون ذلك مأخوذا من أورث يورث، وعلى هذا التقدير يكون الرجل هو الوارث، وانتصاب كلالة على هذا التقدير أيضا يكون على الوجوه المذكورة. اهـ.
قال الفخر:
ههنا سؤال: وهو أنه تعالى قال: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كلالة أَو امرأة} ثم قال: {وَلَهُ أَخٌ} فكنى عن الرجل وما كنى عن المرأة فما السبب فيه؟
والجواب قال الفراء: هذا جائز فإنه إذا جاء حرفان في معنى واحد بأو جاز إسناد التفسير إلى أيهما أريد، ويجوز إسناده إليهما أيضا، تقول: من كان له أخ أو أخت فليصله، يذهب إلى الأخ، أو فليصلها يذهب إلى الأخت، وإن قلت فليصلهما جاز أيضا. اهـ.

.قال القرطبي:

وأعاد ضمير مفردٍ في قوله: وله أخ ولم يقل لهما.
ومضى ذكر الرجل والمرأة على عادة العرب إذا ذكرت اسمين ثم أخبرت عنهما وكانا في الحكم سواء ربما أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما جميعًا، تقول: من كان عنده غلام وجارية فليحسن إليه وإليها وإليهما وإليهم؛ قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45].
وقال تعالى: {إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فالله أولى بِهِمَا} [النساء: 135] ويجوز أوْلَى بهم؛ عن الفراء وغيره. اهـ.

.قال الفخر:

أجمع المفسرون هاهنا على أن المراد من الأخ والأخت: الأخ والأخت من الأم، وكان سعد بن أبي قاص يقرأ: وله أخ أو أخت من أم، وإنما حكموا بذلك لأنه تعالى قال في آخر السورة: {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ في الكلالة} [النساء: 176] فأثبت للأختين الثلثين، وللإخوة كل المال، وههنا أثبت للاخوة والأخوات الثلث، فوجب أن يكون المراد من الاخوة والأخوات هاهنا غير الاخوة والأخوات في تلك الآية، فالمراد هاهنا الاخوة والأخوات من الأم فقط، وهناك الإخوة والأخوات من الأب والأم، أو من الأب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثلث} هذا التشريك يقتضي التسويةَ بين الذكر والأُنثى وإن كثروا.
وإذا كانوا يأخذون بالأُم فلا يفضل الذكر على الأُنثى.
وهذا إجماع من العلماء، وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والأُنثى سواء إلا في ميراث الإخوة للأُم.
فإذا ماتت امرأة وتركت زوجها وأُمها وأخاها لأُمها فللزوج النصف وللأُم الثلث وللأخ من الأُم السدس.
فإن تركت أخوين وأُختين والمسألة بحالها فللزوج النصف وللأُم السدس وللأخوين والأُختين الثلث، وقد تمت الفريضة.
وعلى هذا عامة الصحابة؛ لأنهم حجبوا الأُمّ بالأخ والأُخت من الثلث إلى السدس.
وأما ابن عباس فإنه لم ير العَوْلَ ولو جعل للأُم الثلث لعالت المسألة، وهو لا يرى ذلك.
والعَوْلُ مذكور في غير هذا الموضع، ليس هذا موضعه.
فإن تركت زوجها وإخوةً لأُم وأخًا لأب وأُم؛ فللزوج النصف، ولإخوتها لأُمها الثلث، وما بقي فلأخيها لأُمها وأبيها.
وهكذا من له فرضُ مُسَمًّى أُعطيَه، والباقي للعصبة إن فضل.
فإن تركت ستة إخوة مفترقين فهذه الحِمَاريّة، وتسمّى أيضًا المشتركة.
قال قوم: للإخوة للأُم الثلث، وللزوج النصف، وللأُم السدس، وسقط الأخ والأُخت من الأب والأُم، والأخُ والأُختُ من الأب.
رُوي عن عليّ وابن مسعود وأبي موسى والشَّعبيّ وشُريك ويحيى بن آدم، وبه قال أحمد بن حنبل واختاره ابن المنذر؛ لأن الزوج والأُم والأخوين للأُم أصحابُ فرائضَ مسماةٍ ولم يبق للعصبة شيء.